يا مزاجنا في التضامن والانتصار
26 ديسمبر 2014
kids-watching-movie-in-theater (1)على أصحاب القضايا العمل على مراعاة مزاجنا، ومواجهة حقيقة مفادها أننا نتعامل مع قضايانا اليوم على أنها مسلسل يشدنا في بداياته، ونتخلى عنه قبل نهايته، إما لصالح مسلسل آخر يشدّنا، أو لمجرد ملل أصابنا، نحتاج التجديد في التقديم، والكثير من الاثارة والغموض والأكشن، أو الكثير الكثير من الرومانسية والدراما حتى نتابع حلقاته للنهاية. نتوقع من مخيم اليرموك اليوم أن يقدم عملاً إبداعياً جديداً مثل عازف البيانو وجوقته، والبحث عن صور جديدة ملتقطة من زوايا تُختار بعناية لتسلط الضوء على طوابير المعاناة بحثاً عن الأمن، أو أن يقدم أماً جديدة تبكينا وتبكي حالها وأولادها، حتى تثيرنا من جديد، وتجبرنا على استكمال متابعة مسلسل معاناتهم. ومن اليرموك إلى غزة، حيث تحولت غزة فينا لفيلم الأكشن والإثارة والغموض، فيلم لا ينتهي، ويتجدد بأجزاء جديدة كل فترة، ولا يلفتنا فيه إلا العمليات والمواقع العسكرية والمناورات والتدريبات وأصحاب اللثام، في وقت تحول أهلها -أهل غزة- ومعاناة حصارهم إلى كومبارس متممين للفيلم، لا أكثر. يحصل ذاك المقاوم ببدلته العسكرية على اهتمامنا ويحصد لايكاتنا وشيراتنا طالما بقي مرتدياً بدلته العسكرية، ويفقد كل ذلك، إن خرج بهيئته وملابسه المدنية، متحدثاً عن معاناة والدته، التي تنتظر فرج ربها بفتح المعبر، على سبيل المثال لا أكثر. لابد من غرق قاربين أو ثلاثة من قوارب الموت حتى نعود ونلتفت إلى تجار الموت، وإلى معاناة الشباب الفلسطيني في غزة وفي مخيمات الشتات، الذي تحولت قوارب الموت إلى ملاذه، ورهانه على أن البؤس في المجهول سيبقى أفضل من الحاضر المعلوم. وفي واقع كل هذا وغيره، تخرج علينا مقاتله كردية حسناء بجدائل شعرها، التي تشتبك ببندقيتها المحملة على ظهرها، في خبر تفجير نفسها في مجموعة من مقاتلي داعش، لتهمش كل قضايانا وتتصدر قوائم عناويننا، عناوين التضامن، لنقضي أياماً في الحديث عن شجاعة الأكراد في مواجهة إجرام داعش. طبعا إجرام داعش الذي لم يبدأ بخبر تلك المقاتلة الحسناء، ولكن المعارضة والقرى السورية التى رأت الويل منهم ليست مبدعة كإبداع الاكراد في خلق البروباغاندا والتعامل مع الإعلام الغربي. والأسوء من ذلك كله، أن مزاج هذا الجمهور قد تحوّل لمعيار لا بد من مراعاته من كتابنا ووسائل إعلامنا، فصار الكاتب يتحيّن ويختار التوقيت المناسب لإثارة قضية ما ونشر مادته، حتى تلقى لها مكاناً في جدول تضامن جمهورة المزدحم، وفي حال قرر أحدهم محاولة التحدث في قضية ما، يجد رد الناشر عليه "مش وقته، ممكن ننشرها لاحقا، عنا أولويات". بؤس واقعنا يحكي أنّ على صاحب القضية تجاوز معاناته قليلاً، والتركيز في التفكير في أساليب تجديد قضيته، وتقديمها بأدوات جديدة، وتطوير إبداعه في خلق البروباغندا، وأن يحافظ على وتيرة عالية من الأكشن والإثارة والغموض في كل حلقات مسلسل معاناته حتى يبقينا على إطلاع -على الأقل- على معاناته.

جميع الحقوق محفوظة © 2024