حين رفضوا اليرموك المقاتل
02 ابريل 2015

420152123026يفرض مخيم اليرموك نفسه علينا من جديد، ولكن بصورة المقاتل هذه المرة، لا صورة الجائع المسكين، و لا الضعيف الذي يتسوّل لفك حصاره وحرية حركته وشاحنات من الخبز تسد جوعه، ولا من ينأى بنفسه عن ثورة الشعب السوري وكل تبعاتها.

صورة ابن اليرموك الجائع المحاصر هي ما تم تصديرها في الإعلام، لما فيها من جوانب ستحرك المؤسسات الدولية والجهات الرسمية الفلسطينية لنجدته وإطعامه وفك الحصار عنه، ولكن تلك الصورة لم تنتج شيئاً إلا إهانته والتقليل من كرامته.

ومن جهة اخرى، بقيت تلك الصورة تتصدر الإعلام مسنودة بمقولة “لا للتدخل في الشؤون الداخلية”، والتي فرضتها علينا الأنظمة العربية، وأكدت عليها القيادات الفلسطينية لعزل اللاجئين الفلسطينيين عن المجتمعات المستضيفة لهم منذ لجوئهم، ومنعهم من النضال مع الشعوب، حتى صدقناها، وبِتنا نُغلّط بل نخوّن من يخرج عنها، لأن اللاجئين “ضيوف شرف”!.

هذا غير أنّ تصدير صورة الجائع المحاصر، واستحضار المقولة السابقة فيهما إراحة لضمير الفلسطيني الشبيح المؤيد للنظام السوري، والذي لقي مخرجًا بهما من تأييده لقاتل أهله في مخيمات سورية، بعدما قَبِل قتل الشعب السوري.   

المخيمات الفلسطينية في سورية، ومخيم اليرموك خاصة له خصوصية عن بقية المخيمات الفلسطينية في كل مكان، لاندماجه الكامل في المجتمع السوري، حتى انعكس عليهم ما كان ينعكس على السوري من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وغيرها، دون زيادة أو نقصان خاص؛ فاللاجئ في سورية هو فلسطيني سوري، ولا نقول هنا “سوري” للدلالة على المكان، بل على هوية حقيقية.

وبعدما اضطر واتخذ اليرموك قرار القتال، وحتى يرتاح البعض من مسؤولية الانتصار له ودعم قراره، تراهم يُحاولون تجاوز حقيقة صارت معروفة للعيان، مفادها: أنّ الكتائب المسلحة الموجودة داخل مخيم اليرموك هي كتائب فلسطينية، تتكون وتُقاد من أبناء مخيم اليرموك بشكل رئيسي، وأبناء المناطق المحيطة به بشكل ثانوي.

فأكناف بيت المقدس التي بات معلومًا أنها بقيادة عناصر من حماس، هي كتائب مكونة من شباب اليرموك بشكل رئيسي، تحمي المخيّم، وتتصدى للنظام وأعوانه، الذين يحاصرونه حتى اليوم منذ سنين، وصولًا إلى مقاتلتهم ومقاتلة داعش اليوم، ومنعهم من السيطرة على المخيم وتحقيق ما لم يستطيعو تحقيقه.

كيف يمكن التعامل مع شباب اليرموك المقاتلين على أنّهم “عصابات اختطفت المخيم”؟!. مَن اختطف مَن؟! ومِن مَن؟! وهل أهالي المخيم الذين عجز النظام بكل قوته عن السيطرة عليهم بالرغم من سنوات الحصار عاجزة عن التعاون معه لتسليم المخيم والانقلاب على من فيه من أبنائه المقاتلين؟!

في انكار حق ابن اليرموك في مقاتلة النظام ما يتجاوز قضية التشبيح وتأييد قاتله، أو حتى مناصرته بانتقائية، وغير ذلك، لما فيه من تعوّدنا وحتى تفضيلنا لصورة اللاجئ الضعيف المكسور الذليل على صورة اللاجئ القوي حامل السلاح، والذي يُقاتل لأجل حريته وكرامته؛ فترى الكثير ممن يُناصر اليرموك، ويحمل صورة شهيد من شبابه، ويقود مظاهرات لأجل فك حصاره، وإدخال الطعام إليه، بعد انتشار صور الأمهات الباكيات، وصور تكدس الأهالي لاستلام الطعام، ومع انتشار قصة “أهل اليرموك بوكلو لحم كلاب”، على سبيل المثال.

وفي نفس الوقت، يرفض هذا البعض الاعتراف مثلًا أنّ صورة الشهيد التي حملها ونشرها ليست لمجرد لاجئ شاب وسيم قُتل إثر التعذيب، بل لمقاتل كان قد استشهد عزيزًا كريمًا خلال تعذيبه في المعتقلات السورية نتيجة رفضه الاعتراف بعدما اعتقل لتهريبه السلاح، أو في مواجهة من مواجهات التشكيلات الفلسطينية المسلحة في اليرموك!.

وكأنّ هؤلاء المناصرين يفضلون مناصرة قضية اليرموك كما يناصرها موظف الاونروا، والذي ربطته وظيفته بقضايا الجوع والتشتت والإغائه، وفرضت عليه حدودًا قد يخسر وظيفته إن تجاوز أيٍ منها!.

مثلما أخرج الربيع العربي أسوء ما في الشعوب، قبل أجمل ما فيه، أخرج اليرموك أسوء ما فينا، وهي الصور التي لا نرى اللاجئ إلّا فيها، ولكن المشكلة الأكبر في هذا السياق تتعلق اليوم بالمخيم وأهله، حيث يرى كلّما وجّه عيناه نحو شعبه وأهله، والذي لم ينشغل عنهم يومًا لا في اشتباك ولا حصار، يراهم مشغولين أو يتشاغلون عنه، فيجد من تلقاء  نفسه ما يكفي لعذرهم، ولكن بالتأكيد ما لا يكفي لتبرير جلدهم له، والمشاركة في إذلاله، والتقليل من نضاله، فوق كلّ ما يتعرض له.

ما يطمئن البال هنا، أنهم يئسوا منّا، ومن انتصارنا لهم، وأنّ صورهم في عيوننا لن تقدم ولن تؤخر من صمود شباب يقاتلون في معارك متعددة الجبهات، حيث يتصدون اليوم لداعش والنظام وحلفائهم الغادرين، تحت شعار واحد “ #لن_يسقط_اليرموك ” مهما كلّف ذلك، ولكن ذلك لن يعفينا من إضافة خذلاننا له ضمن قصص معاركه، التي ستُسطر كسرهم لصورة اللاجئ الذليل وإعادة صورة اللاجئ المقاتل في ذات سطور معارك شعبنا مع الاحتلال، وكل أعوانه.

جميع الحقوق محفوظة © 2024