نقاشات المقاهي والأرصفة
12 ديسمبر 2015
أتابع منذ فترة صفحة تغيير الحدايد في مدخل يافة الناصرة​ في أراضي ال٤٨، القائم عليها عيسى فايد ابو الرتاج، وأعتبرها مصدرًا مهمًا لنقاشات تجري في مقاهينا، ومن على أرصفة شوارعنا، تُبعدني عنها غربتي الطويلة، وهذا العالم الافتراضي!. هذه الصفحة تعكس كيف يختار وينحاز الشاب غير المنظم في صفوف الأحزاب لقضايا ومواقف، ومن يجذبه من القيادات السياسية، ومن لا يحبّ منهم، و كيف يحوّل قيادي معيّن لرمز مثير للسخرية، كل ذلك، بناءً على صور وحكايا، لا أكثر!. كان ذلك واضحًا في تغطيتهم لترشح القائمة المشتركة، والمديح للقائمة العربية للتغيير وأحمد الطيبي، على حساب التجمع الوطني الديمقراطي والجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، وقياداتهما. وحتى في السياسة الخارجية، من الانحياز مع الشعب السوري ضد بشار الأسد، و مناصرة ضحايا مجزرة رابعة، إلى الشعور بقرب من تركيا، وقُرب أردوغان من قضايا محيطنا العربي والإسلامي كافيًا لمتابعة الأخبار فيها، واتخاذ المواقف أيضًا. هذه كلها مواقف بيوتنا التي لا تحتاج للكثير من المعطيات لاتخاذها. أمّا على المستوى الاجتماعي، تقرأ فيها بكل وضوح انحياز المجتمع لنفسه، وكل قيمهِ التي نشأ عليها، بالإضافة للتديّن البسيط، تديّن العادات والتقاليد والرموز، فعلى سبيل المثال، لقد تفاعلوا وقت قضية المثليين، بعد التهجم على الشيخ كمال الخطيب، وليس كردّة فعل على نشاط أو مقال ما للمثليين ومؤيديهم!.
احنا مع الشيخ كمال خطيباحنا مع الشيخ #كمال_خطيب ضد المثليين جنسيا بالعربي ضد الهومو والقشل, احنا متخلفين خلينا التقدم الكم, يلا دربلوا Posted by ‎تغيير الحدايد في مدخل يافة الناصرة‎ on Monday, June 15, 2015
. وفي مشهد آخر، حيث التقى عيسى بالشيخ رائد صلاح وكمال الخطيب في خيمة رفض حظر الحركة الإسلامية، تلاحظ هالة الشيخان التي سيطرت على عيسى وأربكته، تلك الهالة يرفضها البعض، ولا يراعيها، بل يسعى للتقليل منها بكل الوسائل، ولكنّ ذلك لن يغيّر من حقيقة مكانة رجال الدين ورموزه في مجتمعنا. هؤلاء كمجتمعنا، يرفضون من يتحداهم، ويتحدّون من يصفهم بالتخلّف، ويقلل من قيمة وعيهم الاجتماعي والديني، وفي النهاية، قد يصفون أنفسهم بالتخلّف، حتى يُغلقو الأبواب في وجه من يحاول اقتحامهم، والنيل منهم. تزداد أهمية هذه الصفحات، لما تعكسه من عجز دعاة التغيير والعاملين عليه، وحجم الفجوة الكبيرة بينهم وبين المجتمع ومكوّناته، هذا غير التعالي عليه، وعلى قيمه ووعيه!. كلما أثارت جدلًا بطرحها لقضية أو رأي ما، أتابعها وأتابع أكثر ردود الناشطين والمؤثرين، ومن يعتبرون أنفسهم كذلك، هؤلاء بأغلبهم يتخذون المجتمع خصمًا!. بصراحة، لا أعرف كيف يعملون على التغيير؟! ومن يستهدفون بتغييرهم؟! وبالطبع، لا أحد يُنكر أنّ أغلب القضايا التي تطرحها الصفحة والقائم عليها، ليست نقاشات واسعة في مجتمعنا، فهي صفحة كغيرها من الصفحات، قد تبدأ من نقطة ما في الواقع، وتتحول لنقطة أخرى بعيدة في هذا العالم الافتراضي، المفصول عن الواقع، عالمٌ افتراضي يتابع ويشتبك مع بعضه!. هذا النوع من الصفحات مهم وخطير في نفس الوقت، فهي بالفعل تنقل واقعًا كما هو، بكل إيجابياته وسلبياته، ولكنها بنفس الوقت، توسّع من أثره وتعمّم أفكاره، ولأنّها وحدها، تتحوّل هنا لمشكلة!، هذا غير انتهاكها لخصوصية بعض الأشخاص، بتتبعها منشوراتهم العامة والخاصة، ومن ثم إعادة نشرها!. وفي هذا، لا يستطيع أحد لوم من يبادر ويقوم بهكذا صفحات بهذا العالم المفتوح، بقدر لوم من يؤجل المبادرة بصفحات ومنابر أخرى، تعكس واقعًا آخرًا، وتحاول التغيير، والأهم، أن تبتعد عن النقاشات النخبوية المنتشرة، وتبقى قريبة من النقاشات الشعبية، نقاشات المقاههيوالأرصفة، بلا أيّ ادّعاء.

جميع الحقوق محفوظة © 2024