”جزيرة فاضل“ ماذا سترى حين تزورها؟ وكيف تم تجاهلها؟
27 مايو 2013
”جزيرة فاضل“، ليست بالقرية ولا هي بمخيم للاجئين، قد تكون ما بين بين، فهي غير مدرجة على قوائم القرى المصرية، ولا يعتبر أهلها لاجئين مثلهم مثل أبناء مخيم اليرموك في سوريا، أو أبناء مخيم عين الحلوة في لبنان، فليس لهم أيّ حقوق من حقوق اللاجئين التي تتحملها المؤسسات الدولية.

IMG_2721

عانى سكان الجزيرة من إهمال وتهميش وظلم على مدار سنين إقامتهم، بدأت السفارة الفلسطينية في القاهرة الالتفات لهم بعد أن توظف أحد أبناء القرية في إحدى مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية منذ سنين قليلة، فصار الأهالي يتفاخرون أمام الزائرين أنّ لهم إبناً يعمل في القاهرة، ذاك الالتفات كان مقصورا على إعادة بناء مضافة كانت مبنية، وتقديم طردين غذائيين على مدار سنتين لم يصل الكثير من البيوت أياّ منهما، واكتفت السفارة بدفع رسوم التعليم ”45 جنيه مصري“ لمن استطاع الذهاب إلى المدرسة من أطفال القرية، وهم -بالمناسبة- لا يتجاوزون المئة طفل من أصل 1500 طفل، اكتفت السفارة بذلك وحرصت على نشر أخبار تقديم المعونات والمساعدات، اكتفاؤها هذا كانت حجته أنّه أقصى ما تستطيع مؤسسات السلطة الفلسطينية تقديمه، ولكنك تستطيع شم رائحة الفساد والتقصير والإهمال في هذه القضية، وهي نفس الرائحة التي إعتدنا شمّها في كل مؤسسات السلطة الفلسطينية، ففي الوقت الذي ادّعى السفير أنّ هذه حدود قدرتهم المادية يضع الرئيس أبو مازن حجر أساس قصر الضيافة الفاخر في رام الله، ويدشن في ذات الوقت حجراً آخر لأبنية السفارة الفلسطينية في التجمع الخامس في القاهرة. large2_2_4_2012_56_6 معاناة جزيرة فاضل لا تنتهي بطرد غذائي ولا معونات مادية، هي معاناة تتجاوز ذلك، فإن سألت عن الوعي والتعليم ستجد أنّ نسبة التعليم في الجزيرة لا تتجاوز 10%، وستجد أنّ هنالك خمسة شباب وصبايا فقط يحملون شهادات الدبلوم، وستسمع قصص الإجراءات والمعاملات الروتينية التي تبدأ بشهادة عدم الممانعة من السفارة الفلسطينية لتعليم طالب ما، مروراً بأختام المؤسسات الحكومية المصرية، ووصولاً الى موافقة الجهات الامنية المصرية على دخول ذاك الطالب المدرسة، تلك الاجراءات تحتاج من الوقت الكثير بالاضافة للمال من أجل تغطية مصاريف السفر والتنقل وطوابع المؤسسات الرسمية، وهو ما لا يملكه الكثير من أهل الجزيرة.

IMG_2743

وإن سألت عن الجانب الصحي والرعاية الصحية، لن تجد في الجزيرة مستوصفاً أو وحدةً صحيةً تحاول التقليل من الأمراض المنتشرة التي اعتاد أهلها على الاستسلام لها، فهنالك أب يحدثنا عن ابنته المصابة بمرض قد تسبب بوفاة أمها قبل شهور قليلة، وسترى بعينيك رقاباً منتفخة من أثر فايروس منتشر هناك، فضلا عن الأمراض الجلدية التي تنوعت بسبب طبيعة عملهم، ستجد طفلاً مصاباً بالسرطان دون رعاية، وأهله اليوم يتمنون له الموت الرحيم.

IMG_2746

ماذا عن العمل ؟  مهنة اهل الجزيرة الرئيسية جمع القمامة من الأحياء والقرى المحيطة، ثم فرزها وتجميعها وبيعها لأصحاب مصانع تكرير النفايات، وبالإضافة لتلك المهنة ستجد البعض يعمل في الزراعة والنجارة والحدادة وغيرها من المهن، ولكن بشكل محدود جداً. لا يستطيع شباب الجزيرة السفر للعمل في الخارج لأنهم من حملة الوثائق المصرية للاجئين الفلسطينيين، تلك الوثائق لا تعترف بها الدول الغربية او حتى العربية باستثناء السودان. ”كل الشكر والعرفان للسودان الشقيق“.

IMG_2730

في حواري القرية سترى العشوائية في البناء، وستتمشى على شوارع من الرمل والتراب، البيوت الطينية المسقوفة بالقش ما زالت تملئ الجزيرة، إن قررت دخول أحد تلك البيوت فاحذر الاختناق، فليس فيها من النوافذ ما يدخل الهواء أو حتى نور الشمس الذي قد يحد من الرطوبة. معاناتهم تتجاوز ما نستطيع توثيقه بمقال أو تقرير أو حتى دراسة، ونعيد ونكرر أنّ الطرد الغذائي او المعونة المادية او حتى قضاء يوم أو يومين بين أهل الجزيرة غير كفيلة بالتخفيف منها، ولكنها كفيلة برفع معنويات الأهالي، فعيونهم يتراقص فيها الفرح لرؤية أناس غريبة تتمشى في الجزيرة، وتسعد بالتواصل مع كل قادم من خارج الأسوار المحيطة بهم.

3551_10151603820590979_1544394374_n

إنهم يحتاجون الى التواصل الدائم والعمل المستديم، في جزيرة فاضل مساحة واسعة تستوعب كل المبادرات والافكار والدعم والمساعدة، فهم بحاجة لكل أنواع المؤسسات والمبادرات الشبابية،  باللإضافة لحاجتهم للمؤسسات التي ترعي حقوق المرأة للعمل على التوعية، ومؤسسات حقوق الطفل لتكفل لأطفال الجزيرة طفولة عاديّة. وهناك مساحة واسعة للمؤسسات الحقوقية للعمل على انتزاع أبسط حقوقهم لضمان عيشهم حياة كريمة، وهناك مساحة اوسع للمؤسسات الانسانية التي تقدم المؤن والمساعدات والدعم الانساني، أمّا رجال الاعمال وأصحاب الاستثمارات فتقع عليهم المسؤولية الأكبر وذلك للحاجة الملحة لإعادة بناء الكثير من البيوت وإعادة اعمارها، وإقامة المشاريع والاستثمارات لتستوعب شباب الجزيرة. 263235_129607127239564_2013878732_n لا حجة ولا مبرر اليوم لأيّ مقصر في حق أهالي جزيرة فاضل، فجزيرة فاضل لم تعد منسية، وحكايات أهاليها لم تعد محصورة داخل الاسوار المحيطة، كل منا من مكانه ومن موقعه يتحمل مسؤولية أخلاقية كبيرة، ولذلك علينا العمل الفوري والدائم على تحسين ظروف حياتهم والحد من معاناتهم اليومية، لنضمن لهم حياة كريمة حتى عودتهم الى بيوتهم واراضيهم ومزارعهم في بئر السبع المحتلة. هذه التدوبنة نشرت في شبكة قدس بتاريخ 22-5-2013

جميع الحقوق محفوظة © 2024