نثر الورود المتأخر
06 سبتمبر 2015
نعيش باحثين عن المعنى، أيّ معنى، ومن كثر المحاولات، نفقد كيفية الاحساس به، فيصير غير محسوس على الإطلاق، لتتكرس حياتنا بعد ذلك للبحث عن الحس بالمعنى أكثر من المعنى نفسه، وحتى الرحيل، نقضي حياتنا في كيفية الإحساس به، أكثر من إيجاده!. كلٌ يحدد نطاق المعنى، معناه، وكيفية الحس به، ليركز البحث، حيث هنالك دائمًا شهود عيان، شهود توثيق لا أكثر، فنعتاد وجودهم، وبالرغم من كونهم ضمن نطاق البحث، نتجاوزهم لنبحث من حولهم وتحتهم وفوقهم، دون الاقتراب منهم، وكأنهم أُسقطوا على هذا النطاق، وليسوا جزءاً منه. وبمجرد الرحيل، يأتي الدور المتأخر لشهود التوثيق، ويبدؤوا مرحلة الرثاء، رثاء حياة الرحيل وكل محاولاته، والمديح المليء بكل الإجابات، تتمنى في تلك اللحظات لو أنه هنا، ليسمع ويقرأ ويشم ويلمس كل المعاني والإجابات التي رحل دون أي يحسّها، فقد وجدها، نعم وجدها، ولكنّه لم يحسّها، بفضل ذاك التقدير والرثاء المتأخر!. مع كثرة الراحلين، واقتراب الموت ممن حولنا، نُعوّد أنفسنا على اعتياد موت من نحب، ولكن حتى اللحظة، ومع آخر رحيل ومفقود، قريبًا كان أم بعيدًا، يبقى الموت واحدًا، كيفما وأينما سقط. لماذا ننتظر الموت لنقدّر من حولنا؟! لماذا يكون التقدير متأخرًا دائمًا؟! أهو اليقين بأنّ الراحل ما زال معنا؟! أو فوقنا يرانا ويسمعنا؟! ألم يكن ليكون أسعد بسماع كلمات تقدير ومديح محاولاته ونتيجتها، فيرحل مرتاحًا ومطمئنًا أكثر؟! من عوّدنا على نثر الورود الملوّنة على الميّت وقبره فقط؟! ربما نقنع أنفسنا أيضًا بأن الموت واحدٌ، ونستعد لما بعده تخفيفًا من أثره علينا، واستعدادًا لما بعد ذلك، ولكننا ننسى أو نتناسى ونقصر في نثر الورود على الحيّ قبل رحيله الحتمي، وكأنّ نثرها على الأكفان والقبور أجمل!.

جميع الحقوق محفوظة © 2024