من وجدي وعامر وحتى ليث، "خسارة على الشباب"!
05 أغسطس 2015
ما معني الشهادة؟ ومتى اكتشفت معناها؟ وما هي اليوم؟ كيف يصير الانسان شهيدًا؟ ومتى يسعى لذلك؟ هل الشهيد أسطورة؟ ومتى يكون؟ تساؤلات لم تغادرني منذ حاولت إجاباتها، وحتى اليوم، لم أعرف كلّ الإجابة!. [caption id="attachment_1010" align="alignright" width="180"]247492_2116858162147_2455133_n الشهيد وجدي حطاب[/caption] أحسست الشهيد والشهادة بداية الانتفاضة الثانية، وما بعدها، احساس بدأ بعد سماع الكثير من الحكايا والأساطير عنها، كان للإحساس باستشهاد صديقي وجدي الحطاب معنى مختلف تمامًا عن كل ما سبقه من معاني، فقد ارتقى وجدي بعد رصاصة جاءت بعد إصراره على الاستمرار في رشق الحجارة، بالرغم من إصابته، ورفضه طلب المسعف بالعودة للمنزل أو الذهاب بسيارة الإسعاف للمستشفى، فعاد حينها لرشق الحجارة بعد دقائق، ليستقبل رصاصة أعلنت نهايته. ما أزال أذكر تمامًا كل المشاهد المتتابعة، لقد اجتمع الناس أمام بيته، وانتظروا كلمة والده، أصدقاؤه يبكون، وأهله أكثر، تترقب الناس ردة فعل، أيّ ردة فعل، حتى خرج والده، ورثى ابنه، وتوعد بالانتقام، توعد علنًا، وقد توعد الكثير غيره سرًا. خرج الشهيد طارق القطو في جنازته، وقد تقدم حاملي النعش، وهتف مع الهاتفين، فكان أحد اللاحقين، ولكن بسلاحه لا بالحجارة، حيث كان هو ورفيقه الشهيد معتز السروجي من حاولا الثأر لوجدي وغيرهم في عملية احتفلت فيها طولكرم، كونها من أوائل العمليات المسلحة التي جاءت لتقتل عجز الحجارة، وعجز الثأر. [caption id="attachment_1015" align="alignright" width="300"]1_48267_1_6 جنازة الشهيد عامر الحضيري[/caption] عامر الحضيري كان شهيدي الثاني، حين تلقت سيارته صواريخ الأباتشي، وأحرقته بنيرانها، لتعلنه شهيدًا، توعدت الناس بالثأر له، منذ انتشاله وما بعد بعد دفنه. لم ننتظر كثيرًا قبل أن نوزع حلوى الثأر له. لقد اكتشفت الناس فيما بعد أن سيارة عامر كانت مُحملة بحزام أو عبوة ناسفة، أو أكثر، ليؤكد ذلك عزمه على الاستمرار في مسار العهدة العشرية القسامية، التي كان عامر جزءًا من تنظيم إعلانها في طولكرم، وقد يكون جزءًا من تحضيرها!. لم يميّز عامر ووجدي في وعيي فترتها سوى قربي منهما، فقد مرّ الكثير من الشهداء قبلهم وبعدهم، منهم من توعد عامر ووجدي بالثار لهم، ومنهم من تبعهم واستشهد للثأر لهم، لهم ولغيرهم. أسرح في روحي عامر ووجدي، هل كانت أيّ منهما مرتاحة قبل وما بعد الشهادة؟، وأحاول التأمل في روح الشهيد ليث الخالدي الذي قرر تجاوز عجزه وانعدام المبادرة، وتناسى تهديداتنا العابرة للثأر لعليّ التي احاطت به، فقرر الذهاب ومجموعة اخرى لحاجز عطارة، ومن يعرف الحاجز اليوم، يعرف انعدام النتيحة في الهجوم عليه وحرق البرج المحصن على من فيه، لكنّ ليث لم يعنهِ ذلك، فذهب وحاول الوصول للبرج لحرقه، حيث قرر الجندي المحصن جدًا داخله إنهاء حياته، وأنهاها!. أرى ليث وغيره من شهداء هذه الأيام ينطلقون من عجزهم ليتجاوزو عجزنا، محاولين خلق ما بعدهم، فما قبلهم لا شيء، وهم يعلمون أنْ لا معنى جماعي لتضحياتهم، حيث اللا تراكم، وكأنّهم بإصرارهم يُحملونا فوق عجزنا عجز وعجز!. [caption id="attachment_1025" align="alignright" width="240"] الشهيد ليث الخالدي[/caption] قرر ليث الثأر لعلي، وبقلّة حيلته، وبتخطيط يتجاوز عقله وعمره، قرر ونفذ، وأعاد علينا أسئلة كلّ شهيد، ماذا بعد؟! هل نحن أهلٌ لتضحيته؟! هل قهر أيّامنا أفضل مما بعده؟! هل من تراكم يحفظ روحه ويُصبّر أهله؟! ماذا عن ليث القادم؟! هل سنضعه في ذات التجربة وذات السياق؟! هل أرواح وجدي وعامر وطارق ومعتز وغيرهم مرتاحة وقد انتهت انتفاضتهم -الثانية- بنموذج "الفلسطيني الجديد" كما جاءت الانتفاضة الأولى باتفاق أوسلو؟! ما نتيجة دماء شهداء اليوم المتفرقة في كل مكان؟! ما هو السياق الذي توضع فيه تضحياتهم؟! قد نتجاوز كل التساؤلات في التغنّي في أسطورة الشهيد، ونكرر "أنّ هذه الأرض لمن عمّدها بالدماء"!، ولكنّ ذلك لن يمنع ولن يقلل من دمعة العجز من والد ليث، ووالدي وجدي وعامر اليوم، وغيرهم، فليس هنالك أيُّ سياق تحرري أو تضحية جماعية مستمرة لذات الغاية، وليس هنالك قائد من قيادات فصائلنا قد خرج ليحدثنا عن معالم مشروع تحرري يحفظ ما قبلهم وما بعدهم من الشهداء!. لابد لنا من مواجهة عجزنا وطرح كل التساؤلات في سياق الإجابة عليها، قد يتطلب ذلك الكثير من الوقت، ولكنه وقت سيريح أرواح شهداءنا الذين لم نحفظهم، ولم نوفر لهم خيارًا سوى مواجهة عجزهم الفردي، بعمل جماعي ومستوى تنظيمي كثير التواضع!. ماذا عن وجدي وعامر وليث القادم؟! ألا تستحق إرادتهم قبل تضحياتهم العمل على خلق بيئة جماعية قائمة على مشروع تحرري واضح، لا تقلل من التضحيات ومحاولات الخلاص الفردي، بل تُقدر أكثر التضحيات الجماعية المنظمة، وتضعها في سياق تحرري يُفرض علينا جميعًا، ويتم تركيزها باتجاهه!. "خسارة ع الشباب"، سمعتها يوم وجدي وعامر، وسمعت أكثر من يرد عليها، حتى تعلمت الرد أنا أيضًا، ولكنّي فقدت اليوم تمامًا القدرة وحجج الرد كما كنت أيّامها، أحاول جاهدًا أن أجد ما يتجاوز "أسطورة الشهيد"، والشعارات غير القائمة على واقع، وحكايا المعارك الأبدية في فلسطين، ولكنّي لا أجد. إجابات هنالك من عليه إيجادها لنا، ليس لنا فقط، بل لحفظ إرادة وتضحيات أرواح لا أظنّها مرتاحة اليوم، فهي ترى الجميع قد تجاوز أصحابها، وحوّلهم لرموز وصور وأسماء شوارع وحكايا، هُم لم يضحوا من أجل ذلك، على الإطلاق!.

جميع الحقوق محفوظة © 2024